-
قصة دخولي إلى ميدان العمل الهندسي من أوسع أبوابه
في كل إنسان لحظة بتغيّر مسار حياته، وبتخليه يكتشف الطريق اللي خُلق ليمشي فيه.
قصتي بدأت عام 2011، يوم دخلت كلية الهندسة المدنية بجامعة حلب، وأنا مملوء بالشغف والطموح. خمس سنوات من الجهد والسهر انتهت بتخرّجي عام 2016، من بين الأوائل على دفعتي. ولو لا الظروف اللي مرّت فيها سوريا وقتها، كنت رح كون الأول بدون منازع — لأن كل اللي يعرفوني كانوا ينادوني “الكمبيوتر”، من كثر دقتي بالحسابات وسرعتي بالفهم.
لكن تخرّجي صادف أصعب سنة في تاريخ البلد…
عام 2016، سنة ما حدا دقّ فيها مسمار. قطاع الإنشاءات متوقف تماماً، والشركات ساكتة كأنها فقدت صوتها. كنت واقف أمام خيارين: يا أستسلم، يا أخلق فرصتي بإيدي.وبينما الكل عم يدور على شغل، أنا قررت أخلق شغلي.
تعرفت وقتها على مهندس طموح اسمه أسامة عبد الرحمن، وبلشنا سوا مشروع بسيط: نساعد طلاب الجامعة. نشرحلهم المواد الصعبة، نعمل بحوثهم، نجهز مشاريع تخرجهم، ونبسط العلم حتى يصير سهل وممتع.ما مر وقت طويل حتى صار اسمنا معروف بكل أروقة جامعة حلب.
صار الطلاب يقولوا: “بدك ترفع المادة؟ روح لعند سيف.”
صار مكتبي أشبه بخليّة علم، وطلابي كانوا عائلتي التانية.كنت أشرح مادة الرياضيات المتقدمة اللي كانت عقدة طلاب الحاسبات والاتصالات خلال عشر ساعات فقط!
كان عندي أسلوب بيخلي الطالب يحب المادة اللي كان يكرهها، ويفهمها كأنه بيسمع قصة مش درس.اللي يمكن قليل بيعرفوه…
إنو كل ليرة كنت آخذها من التعليم، ما كنت أصرفها على رفاهية.
كنت أستثمرها في نفسي.
اشتريت عشرات الكورسات المتقدمة في البرامج الهندسية ETABS، Revit، Robot، تصميم العناصر العمودية، وتنفيذ المشاريع وكنت أطور مهاراتي يوم بعد يوم.
وبنفس الوقت، كنت أرسل جزء من دخلي لأهلي، حتى أساعدهم وأردّ جزء بسيط من تعبهم عليّ.
كان إحساسي وقتها جميل… إنو علمي مش بس عم يغير حياة الطلاب، بل عم يساعد عيلتي كمان.لكن كالعادة، النجاح بيولد الغيرة.
في ناس شافت فيني منافس، مش زميل.
بدأوا يهاجموني، خصوصاً لما رفعت سعر دوراتي عام 2021 لـ150 ألف، يعني ثلاثة أضعاف السعر المتداول.
ما كان هدفي الربح، كنت ببساطة أوازن بين العرض والطلب، وأخفف الضغط عن نفسي، ومع هيك… ما كنت أحرج أي طالب ما معه يكمل القسط.بس البعض ما فهم هيك.
نشروا عني بوستات على فيسبوك، واتهموني بالمادية، ووصلني أكثر من 400 تعليق مسيء
وجعني الموقف… بس ما كسرني.
ردّيت بقوة، وحولت الأزمة لانطلاقة جديدة. أنشأت قنوات قادرة باي وقت تهدم اي صفحة بتنال من كرامتي او سمعتي حتى لو فيها ملايين المتابعين وبنفس الوقت تعليمية ومجموعات على وسائل التواصل، صارت مصدر رزقي مستقبلا بنشر عليها اعلانات مدفوعة، ومنبر طلابي لنشر أعمالهم ودوراتهم الخاصة كداعم الهم.والأجمل بقا؟
إنو نفس الناس اللي هاجموني… رجعوا وسجلوا بدوراتي بعد فترة.
واستقبلتهم بقلب أبيض، لأن العلم بالنسبة إلي مقدّس، ما بينقاس بالمال ولا بالحقد.وفي عام 2020، حولت حلمي لحقيقة، وافتتحت مكتبي الهندسي الخاص، اللي صار لاحقاً مركز تدريب هندسي متكامل.
واليوم، فخور إني أدرّب جيل جديد من المهندسين المدنيين، وأعدّهم ليكونوا الركيزة الأساسية في إعادة إعمار سورياهي قصتي…
قصة مهندس ما انتظر الفرص، بل صنعها بإصراره، واشتغل على نفسه خطوة بخطوة، مؤمن إن العلم رسالة، مش مهنة فقط.5 Comments